جمعيات ومنظماتشؤون خارجيةشؤون سياسية
هل تكون بيلاروسيا أوكرانيا الثانية؟
شهدت الأزمة في بيلاروسيا التي بدأت منذ أيّار وتصاعدت في آب عقب فوز الرئيس ألكسندر لوكاشينكو بولايته الرئاسية السادسة، منعطفاً جديداً يوم أمس حين أعلن الرئيس الروسيّ فلاديمير بوتين أنّه مستعدّ لإرسال قوّات من الشرطة إذا حاول المتظاهرون تقويض النظام السياسيّ. وقال الرئيس الروسيّ إنّ لوكاشنكو طلب منه إرسال وحدة إنفاذ قانون إلى بيلاروسيا لو لزم الأمر. لكنّه أضاف: “لا حاجة لهذا الآن. وآمل أنّه لن يكون هنالك”.
في اليوم نفسه، التقى أمين عام “حلف شمال الأطلسيّ” (ناتو) ينس ستولتنبرغ بالمستشارة الألمانيّة أنجيلا ميركل في برلين لمناقشة الوضع في بيلاروسيا، مؤكّداً أنّ استخدام الناتو “كعذر لقمع المتظاهرين السلميّين” هو أمر “غير مبرّر على الإطلاق”. وتحدّث عن أهمّيّة أن يقرّر الشعب البيلاروسيّ مستقبله “بدون تدخّل من روسيا”.
منذ صدور نتائج الانتخابات الرئاسيّة في التاسع في آب والتي أظهرت فوز لوكاشينكو على منافسته سفيتلانا تسيخانوسكايا وحصوله على حوالي 80% من أصوات الناخبين، نزل المتظاهرون إلى الشارع بالآلاف وأحياناً بمئات الآلاف لمطالبة لوكاشينكو بالرحيل. وأسّست المعارضة “مجلس التنسيق” الذي دعا إلى تنظيم انتخابات جديدة “تتطابق مع المعايير الدوليّة” وإلى “فتح مفاوضات فوراً” مع السلطات. وأعلنت الحكومة البيلاروسيّة الأسبوع الماضي أنّها رفعت دعوى على “المجلس” بتهمة “تقويض الأمن القوميّ” الأمر الذي وصفه الاتّحاد الأوروبّيّ بأنّه عودة للسلطات المحلّيّة “إلى الترهيب القائم على الدوافع السياسيّة”.
بين نقاط التشابه والاختلاف
وسط هذا التجاذب الإقليميّ، عادت إلى الأذهان الأزمة الأوكرانيّة التي لم تنتهِ فصولها منذ سنة 2014 وقد تركت أكثر من 10 آلاف قتيل. ثمّة العديد من النقاط المتشابهة بين المشهدين، يذكرها الصحافيّ البيلاروسيّ والباحث في “المجلس الأطلسيّ” فرانك فياكوركا: لقد كان لثورة ميدان تأثير عميق على أبناء بيلاروسيا الذين تعاطفوا مع النضال الأوكرانيّ للتخلّص من “حاكم مستبدّ” وتحقيق هويّة وطنيّة. وساعد الوعي القوميّ الأوكرانيّ في توليد اهتمام غير مسبوق بالثقافة البيلاروسيّة التي عمل لوكاشينكو على طمسها لصالح استمرار ثقافة سوفياتيّة. وبدأت صفوف اللغة البيلاروسيّة تنتشر في جميع البلاد، بعدما فرض لوكاشنكو على 90% من مواطنيه، تعلّم اللغة الروسيّة بحسب الباحث.
يريد الرئيس الروسيّ تجنّب مشهد أوكرانيّ آخر على حدوده. الثورات المحيطة بدولته هي دوماً مصدر قلق خاصّ له. “صدمة” درسدن تطارد الكثير من حساباته. لا ينتمي بوتين إلى الرؤساء الذين يعتنقون إيديولوجيا معيّنة. ومع أنّه لا يؤيّد الشيوعيّة، هو يرى في الاتّحاد السوفياتيّ جزءاً من تاريخ عظيم حجز لموسكو موقعاً ندّيّاً لواشنطن. إنّ انهيار نظام حكم يمثّل في الشكل آخر الآثار السياسيّة للحقبة السوفياتيّة لن يكون نبأ سارّاً.
ويضاعف من سلبيّة هذا النبأ احتمال تبدّد جميع جهوده لإخماد الثورة الأوكرانيّة وتقييد تداعياتها، خوفاً من تمدّدها إلى دولة أخرى. وهذا ما يبدو أنّه في بيلاروسيا. بل هذا ما بات يحدث بشكل متكرّر داخل روسيا نفسها مؤخّراً. اجتماع هذه العوامل يوقد رغبته في التدخّل لحصر “الأضرار” ما أمكن في مينسك. مع ذلك، يمكن أن يكون هنالك بعض العوامل المطمئنة لبوتين وفقاً لبعض التقارير.
فالمعارضة البيلاروسيّة غير متمرّسة وهي منفيّة أو مسجونة بعكس ما كان عليه الأمر في أوكرانيا، كما أنّها لم تحمل أعلاماً للاتّحاد الأوروبّيّ. من جهة أخرى، كان لبروكسل وواشنطن مصلحة اقتصاديّة في أوكرانيا بعكس اقتصاد بيلاروسيا المنغلق كثيراً على العالم الخارجيّ. ولا يسعى المعارضون إلى الانضمام للاتّحاد الأوروبّيّ أو الناتو.
كذلك، يرى مراقبون أنّ غياب قيادة وهدف واضحين للمعارضة البيلاروسيّة يجعلها “تظاهرة غضب” أكثر من كونها تحرّكاً هادفاً إلى “إسقاط النظام”. ولا تعاني بيلاروسيا من انقسام إثنيّ وثقافيّ كما هي الحال مع أوكرانيا. يضاف إلى كلّ ذلك، أنّ الأوروبّيّين أنفسهم لم يبدوا حماسة كبيرة كي يتدخّلوا لصالح المعارضة.
بين “الجهل والخبث”
شدّد منسّق السياسة الخارجيّة للاتّحاد الأوروبّيّ جوزيب بوريل على ضرورة “التعامل” مع الرئيس لوكاشينكو محذّراً من تحوّل بيلاروسيا إلى أوكرانيا ثانية: “مشكلة البيلاروسيّين اليوم ليست في الاختيار بين روسيا وأوروبا، إنّه الخيار بين الحرّيّة والديموقراطيّة”. وشبّه لوكاشينكو بمادورو من حيث عدم اعتراف أوروبا بشرعيّتهما الانتخابيّة لكنّه قال: “مع ذلك، سواء أحببنا ذلك أم لا، فهما يمسكان بزمام الحكومة ويجب أن نواصل التعامل معهما، على الرغم من أنّنا لا نعترف بشرعيّتهما الديموقراطيّة”.
في كلام بوريل الكثير من المناورة لعدم إغراق أوروبا في مشكلة أوكرانيّة بلون جديد. وذهب بعض المسؤولين الأوروبّيّين أبعد منه رفضاً للتدخّل الأوروبّيّ في الأزمة الجديدة. قال مفوّض الاتّحاد الأوروبّيّ للسوق الموحّدة تييري بريتون ردّاً على سؤال بهذا الخصوص إنّ مستقبل بيلاروسيا هو أساساً مسألة نقاش مع بوتين. وأضاف: “بيلاروسيا ليست أوروبا، هي على الحدود مع أوروبا، بين أوروبا وروسيا”. ووصف الباحث السياسيّ إدوارد لوكاس هذا الكلام بأنّه “يظهر جهلاً في أفضل الأحوال وخبثاً في أسوئها”.
هل أراح الأوروبّيّون بوتين؟
يمكن أن يكون الموقف الأوروبّيّ “الليّن” قد أعطى بوتين مزيداً من هامش التحرّك، بل يمكن أن يكون قد خلّصه من مشكلته الخاصّة. يطرح السفير الأميركيّ السابق في أوكرانيا جون هيربست مجموعة من الاحتمالات توضح صعوبة الخيارات التي يواجهها الرئيس الروسيّ. فمع غياب الهدوء عن شوارع خاباروفسك بعد سجن حاكم المنطقة ذي الحيثيّة الشعبيّة سيرغي فورغال، سيكون على بوتين التساؤل عمّا إذا كان قمع قوّاته المحتمل لبيلاروسيا سيثير الفوضى في خاباروفسك. كذلك، سيكون عليه التفكير في مدى إلزام قوّاته ببيلاروسيا إذا خرجت الأمور عن السيطرة في المدينة الواقعة أقصى شرق روسيا. ويمكن بالمقابل أن يجادل صقور الكرملين بأنّ استخدام القمع في بيلاروسيا سيخيف المتظاهرين الغاضبين في روسيا.
يسمح الموقف الغربيّ لبوتين ب “شراء الوقت” ريثما تتّضح المعادلة الداخليّة في بيلاروسيا. يرى فياكوركا أنّ الكرملين يبدو وكأنّه قد “تعلّم من أخطائه” في أوكرانيا مفضّلاً استمرار دعم لوكاشينكو اقتصاديّاً وأمنيّاً وديبلوماسيّاً من دون أن يهمّش “دولة شقيقة” عبر الاعتداء العسكريّ. وأضاف ملخّصاً نيّة الرئيس الروسيّ، أنّ بوتين يريد دعم لوكاشينكو حتى بروز بديل يسمح للكرملين بتفادي “انتكاسة محرجة في عمق فضاء نفوذه التقليديّ”.
المصدر: أوكرانيا برس