أخبار
الحرب الأوكرانية – الروسية تدخل عامها الثالث وسط تحول في زخمها
يعد استيلاء روسيا على مدينة أفدييفكا شرق أوكرانيا، قبيل حلول الذكرى الثانية لبدء الحرب الروسية الأوكرانية، أوضح إشارة على أن الرهان على إمكانية توقع نهاية قريبة لها، لا يزال بعيد المنال.
بيد أن سقوط أفدييفكا قد يكون أوضح علامة حتى الآن على التحول في زخم الحرب مع دخولها عامها الثالث، في الوقت الذي تواصل فيه القوات الروسية هجماتها الناجحة في الشرق، وتستعد لإسقاط قرية روبوتين الاستراتيجية على خط المواجهة، مهاجمةً أيضاً المواقع الأوكرانية على الضفة الشرقية لنهر دنيبرو، على بعد أكثر من 200 كيلومتر إلى الغرب.
ويقول محللون عسكريون أن هذه الهجمات شبه المتزامنة تهدف إلى ممارسة الضغط عبر خط المواجهة من أجل تقليل قدرة كييف على الانسحاب، وتجديد القوات المنهكة، وإجبارها على حرق مخزونها الشحيح بالفعل من الذخيرة، في الوقت الذي تشتد فيه المطالبات الأوكرانية بتسريع الإفراج عن المساعدات العسكرية، وخصوصاً الأميركية منها، بعدما سببته من تشاؤم وأضرار معنوية وسياسية وعسكرية كبيرة.
مكاسب روسية غير حاسمة
وبحسب معهد دراسات الحرب التابع لمعهد «أميركان إنتربرايز»، فقد حققت روسيا في الآونة الأخيرة، خمسة مكاسب مهمة، هي أفدييفكا ومارينكا وكريمينا وباخموت وتستعد لإكمال سيطرتها على روبوتين، التي كانت أوكرانيا قد استعادتها في هجوم الربيع الفاشل.
أسباب عدة تقف وراء هذا «التشاؤم»، الذي يتردد على ألسنة العديد من القادة العسكريين والمحللين. على رأسها، إصرار الرئيس الروسي على المضي قدماً في رهانه على إمكانية تحقيق تطويع قسري بالسلاح لأوكرانيا، والرسائل السياسية البالغة في مضمونها للداخل الروسي وللخارج، مع «وفاة» معارضه السياسي الأبرز، أليكسي نافالني، في اليوم نفسه لسقوط مدينة أفدييفكا.
بيد أن «العامل» الروسي ليس وحيداً في الحسم بأن الحرب ستستمر، على الأقل حتى العام المقبل أو أكثر. فالعامل الروسي نفسه قد يكون هو السبب الرئيسي وراء كر سبحة الاتفاقات الاستراتيجية التي وقعتها أخيراً دول أوروبية رئيسية مع أوكرانيا، كبريطانيا وألمانيا وفرنسا والسويد، لتغيير دينامية المواجهة مع سيد الكرملين، بعدما تحسست القارة الأوروبية خطورة سقوط كييف على مستقبلها.
ومع سعي دول الاتحاد الأوروبي لتحصين نفسها، بدا واضحاً أنها ترغب أيضاً في ممارسة الضغوط على الولايات المتحدة، أو على الأقل، على الطرف الذي فرض تجميد المساعدات الأميركية، ويهدد مجدداً بالانسحاب من حلف «الناتو»، ويحرض روسيا على مهاجمة من لا يفي بتعهداته المالية.
فالأوروبيون مدركون أهمية المساعدات الأميركية التي مكّنت بلداً «صغيراً» نسبياً بالمقاييس الإقليمية والدولية، من «كسر» صورة الجيش الروسي الذي لم يتمكن بعد عامين من القتال من تحقيق أي هدف استراتيجي في أجندة الرئيس فلاديمير بوتين، بحسب العديد من المحللين.
هل تصمد أوكرانيا؟
ورغم اعتراف رئيس الاستخبارات العسكرية الأوكرانية، الجنرال كيريلو بودانوف، بالوضع الصعب الذي تواجهه القوات الأوكرانية، ويعاني من نقص في تجنيد عناصر جديدة، في مواجهة الجيش الروسي الذي يفوقه عدداً وتسليحاً، لكنه قال إن روسيا لديها مشاكل أيضاً. وأضاف أن الجيش الروسي المحترف تم تدميره إلى حد كبير في السنة الأولى من الغزو، مما يعني أنه يلقي الآن بمجندين غير مدربين في هجمات انتحارية..
وهو يستخدم قذائف المدفعية بأكثر مما تستطيع روسيا إنتاجه. وعلى الرغم من أنها أرسلت مئات الدبابات في العام الماضي، فإن معظمها كانت نماذج قديمة مأخوذة من المخازن وتم تجديدها، في حين أن 178 فقط كانت جديدة. كما تراجعت الهجمات الصاروخية على المدن الأوكرانية في الأسابيع الأخيرة مع انخفاض الإمدادات الروسية. ويؤكد بودانوف أنه «ليس لديهم القوة»، ونتيجة لذلك، ستكافح روسيا لتحقيق هدفها الاستراتيجي الرئيسي المتمثل في الاستيلاء على جميع مناطق دونيتسك ولوهانسك الشرقية هذا العام.
ويرى مسؤولون ومحللون غربيون أن هذه القراءة، قد تكون واقعية، لكن الأمر مرهون بتوافر معطيات عدة، من بينها، تمكُّن أوكرانيا من خوض معركة دفاعية ذكية، ومواصلة إضعاف الجيش الروسي، خلال إعادة بناء قوتها، على أمل شن هجوم مضاد آخر ضد خصم قد يكون ضعيفاً في العام المقبل.
روسيا تعاني
وبحسب دراسة حديثة أجراها المعهد الملكي للخدمات المتحدة ومقره لندن، فمن المرجح أن تصل القوات الروسية إلى ذروتها قرب نهاية العام، ثم تعاني بشكل متزايد من نقص الذخيرة والمركبات المدرعة في عام 2025.
يقول المسؤولون الغربيون إن بوتين لم يتخل عن أهدافه المتمثلة في إخضاع أوكرانيا، لكن ليس لديه خطة رئيسية، ويراهن بدلاً من ذلك على أن القوة البشرية والمعدات الروسية ستنتصر. ويشير المسؤولون إلى أن إنتاج الذخيرة المحلي الروسي غير كافٍ لتلبية احتياجات الحرب، ويقولون إن العقوبات الغربية والتخلف التكنولوجي يتسببان في تأخير الصناعة الروسية وزيادة تكاليفها، مما يؤثر على جودة الأسلحة الجديدة، والقدرة على إصلاح الأسلحة المتضررة. وهو ما دعا روسيا للاعتماد بشكل متزايد على حلفاء، مثل إيران وكوريا الشمالية، لتزويدها بالمعدات اللازمة لمواصلة جهودها الحربية.
هل يأتي الدعم الأميركي؟
غير أن العامل الأبرز لتحقيق هذه الأهداف يتمثل في الرد على سؤال جوهري، ليس فقط عن أسباب تراجع «شهية» الغرب وخصوصاً أميركا، عن دعم أوكرانيا، بل هل سيأتي الدعم الأميركي الإضافي، الذي يمنعه الجمهوريون في الكونغرس، أم لا؟ وتُجمع غالبية التحليلات على أنه قد يكون هو السبب الرئيسي وراء، ليس فقط سقوط أفدييفكا واحتمال سقوط غيرها، بل فشل «هجوم الربيع الأوكراني المضاد» برمته العام الماضي.
ورغم أن الموقف الغربي احتاج لأكثر من سنة ونصف سنة ليتخلى عن تردده، منذ أن بدأ الهجوم الروسي على أوكرانيا، لكن وتيرته لا تزال بطيئة، وهو ما تظهره طبيعة المعدات العسكرية التي لا تزال قاصرة عن تلبية الاحتياجات الفورية لكييف.
وحتى الدعم الأميركي الذي كان سباقاً في التحذير من تبعات الهجوم الروسي وأهدافه، كان عرضة لانتقادات عدة، نتيجة «تدرجه» في تقديم المساعدات القتالية لأوكرانيا. فقد احتاج الأمر من إدارة الرئيس بايدن إلى شهور لتقديم أسلحة مضادة للدروع، ثم أسلحة للدفاع الجوي، وبعدها المدرعات ودبابات القتال، ثم السماح لـ«طرف ثالث» بتقديم طائرات «إف-16»، بينما لا تزال حتى الساعة تعارض تقديم أسلحة صاروخية بعيدة المدى، لتفادي استهداف العمق الروسي!
انقسام أميركي وأوروبي
اليوم ومع دخول الولايات المتحدة سباقاً رئاسياً شاقاً، بدا أن الانقسام السياسي، الذي وقف ولا يزال، وراء عدم حسم التردد الأميركي، يزداد تعمقاً، بعدما حجب الجمهوريون المساعدات عن أوكرانيا، وربطهم إياها بمعاركهم السياسية الانتخابية، في ظل صعود التيار اليميني الشعبوي، الممثل بالرئيس السابق دونالد ترمب، المرشح الأوفر حظاً للفوز بترشيح الحزب الجمهوري، والذي يحتمل أن يعود إلى سدة الرئاسة مرة أخرى. وهو ما قاد البعض إلى التساؤل عمّا إذا كانت عودة ترمب، قد تعني تخلي أميركا عن أهدافها الاستراتيجية، سواء تجاه روسيا أو تجاه علاقتها بالقارة الأوروبية، وعن موقف البنتاغون، الذي يعتقد على نطاق واسع، أنه الضامن الرئيسي للدفاع عن تلك المصالح، في الوقت الذي تحافظ فيه المؤسسة العسكرية على حياديتها من صراع الحزبين الديمقراطي والجمهوري.
بيد أن هذا الانقسام، ينسحب أيضاً على الأوروبيين أنفسهم. فقد عُدّ حسمهم دعم أوكرانيا، كي تكون هي «خط الدفاع» الرئيسي عن حددوهم الشرقية مع روسيا، واستبعاد بولندا عن لعب هذا الدور، تعبيراً عن مخاوف أوسع لها جذور تاريخية، مع تصاعد النزعات الإمبراطورية السابقة، وصعود اليمين القومي المتشدد فيها، مترافقاً مع توقع أن تسفر انتخابات البرلمان الأوروبي المقبلة، عن احتلال هذا اليمين نحو 40 في المائة من مقاعده، الأمر الذي تخشى أوروبا من استغلال الرئيس الروسي له، وتغذيته لإثارة الانقسام وتفكيك الموقف الأوروبي.
موقف البنتاغون
ورغم أن البنتاغون يبدو عاجزاً حتى الساعة، عن حض المؤسسة السياسية على التخلي عن ترددها في مواصلة دعم أوكرانيا، فيما تهديدات ترمب تتوالى، ليس فقط في التشكيك باستمرار هذا الدعم، بل التخلي عن الحلفاء في «الناتو». غير أن معطيات أخيرة تشير إلى احتمال حصول اختراق في هذه القضية.
فقد كشفت الفوضى السياسية التي يعيشها الحزب الجمهوري عن نقاط ضعف، قد تلجأ إدارة بايدن إلى استغلالها، للضغط على رئيس مجلس النواب الجمهوري، مايك جونسون، الذي يمتنع حتى الساعة عن دعوة المجلس لعقد جلسة للتصويت على القرار الذي مرره مجلس الشيوخ، للموافقة على التمويل الطارئ بقيمة 60 مليار دولار. وقال بايدن: «إنهم يرتكبون خطأ كبيراً من خلال عدم التجاوب، والطريقة التي يتجاهلون بها تهديد روسيا، وتجاهل التزاماتنا».
ويجد جونسون، نفسه أمام 3 خيارات، «أحلاها مر»؛ إما طرح التمويل على التصويت واحتمال تنحيته من التيار اليميني المتشدد، وإما الاعتماد على الديمقراطيين لحمايته من العزل، في ظل التقارب الشديد في أصوات الحزبين، وإما قيام الديمقراطيين باستخدام إجراء تشريعي نادر ومعقد، لتخطي رئيس المجلس، وطرح التمويل على التصويت. وهو ما يرجحه العديد من المرقبين، ويعتقد على نطاق واسع أن البنتاغون لا يعارضه!