شؤون سياسية

فصل القوات شرقي أوكرانيا: خطوة للسلام أم تجميد للنزاع؟

مع استمرار عملية الفصل بين قوات الجيش الأوكراني ومسلحي “جمهورية دونيتسك الشعبية”، المُعلنة من جانب واحد في بلدة بيتروفسكي شرق أوكرانيا، منذ يوم السبت الماضي، تُزال عقبة أخرى أمام عقد قمة “رباعية نورماندي” في باريس، بمشاركة قادة فرنسا وألمانيا وروسيا وأوكرانيا لبحث سبل تسوية الأزمة الأوكرانية المستمرة منذ عام 2014. وكان وزير الخارجية الأوكراني فاديم بريستايكو، قد أعلن أنّ عملية الانسحاب تشكل “الشرط الأخير لعقد القمة الرباعية” بين الرؤساء الأوكراني فولوديمير زيلينسكي والروسي فلاديمير بوتين والفرنسي إيمانويل ماكرون والمستشارة الألمانية أنجيلا ميركل خلال الشهر الحالي في باريس. وسيكون أول اجتماع على هذا المستوى منذ 2016. وكانت تكهنات قد أشارت في الأسابيع الأخيرة إلى احتمال انعقاد هذه القمة، لكن الأمر لم يتحقق بسبب اشتراط موسكو إتمام عمليات الانسحاب قبل استئناف المفاوضات.

وبعد نجاح عملية تبادل الأسرى في وقت سابق، تمكنت أطراف الأزمة الأوكرانية من فصل القوات على خط التماس في بلدة زولوتويه في “جمهورية لوغانسك الشعبية”، المعلنة من جانب واحد، اعتباراً من 29 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ثم انطلقت عملية مماثلة في دونيتسك عند منتصف ليل السبت الماضي. لكن الطريق إلى فصل القوات لم يكن سهلاً، في ظل استمرار القوميين الأوكرانيين والمحاربين القدماء في “عملية مكافحة الإرهاب” بتوجيه اتهامات إلى زيلينسكي بـ”الاستسلام” أمام روسيا، ما اضطره للسفر إلى دونباس، نهاية أكتوبر/تشرين الأول الماضي، للتحدث معهم وجهاً لوجه عن أهمية إحلال السلام.

ومع ذلك، يقلل المحلل السياسي المتخصص في الشأن الأوكراني ألكسندر تشالينكو من واقعية نجاح “إطار نورماندي” واتفاقات مينسك للتسوية الأوكرانية، بسبب تباين رؤى أطراف الأزمة لتطبيقها على أرض الواقع، محذراً من تحول الوضع إلى نزاع متجمّد طويل الأجل على غرار انقسام قبرص منذ عام 1974. ويقول تشالينكو، في حديث لـ”العربي الجديد”، إنه “استوفيَت أهم شروط انعقاد القمة في ما يتعلق بتبادل الأسرى وفصل القوات وتوقيع معادلة شتاينماير لمنح صفة خاصة لمقاطعتي دونيتسك ولوغانسك، لكن مثل هذه القمم، ولو عُقدت عشر مثلها، لما ساعدت في تحقيق تسوية نهائية، بسبب اعتقاد زيلينسكي وأنصاره أن اتفاقات مينسك تعني العودة إلى وضع ما قبل 2014، بينما يتطلع سكان دونباس إلى درجة عالية من الاستقلالية، لتكون أشبه بدولة الاتحاد بين بلدين مستقلين”.

وعن “مآزق” التسوية الأوكرانية، يقول: “هناك بند في اتفاقات مينسك ينص على تنسيق كل القوانين المتعلقة بالوضع الخاص لدونباس مع دونيتسك ولوغانسك، ولكن كييف لا يمكنها قبول ذلك، ما يجعل الاتفاقات غير قابلة للتنفيذ. ينذر ذلك بتكرار سيناريو قبرص”. وحول رؤيته للتسوية النهائية للأزمة والدور الروسي فيها، يرى المحلل السياسي أن “لا حل للأزمة إلا بأن تتجرأ روسيا على ضم دونباس مثلما ضمت شبه جزيرة القرم. فبعد تعرض سكان دونباس للقصف ومشاركة العديد منهم في القتال على مدى أكثر من خمس سنوات، فإنهم لم يعودوا يتقبلون العودة إلى حضن كييف”، لكنه يستدرك قائلاً إن “مشكلة روسيا تكمن في أنها تستطيع تقديم دعم خفي فقط بسبب ضعف اقتصادها وارتباطه بالغرب، وهي غير مستعدة لتداعيات مثل قطع العلاقات الاقتصادية مع الدول الغربية وفصلها عن منظومة سويفت المالية العالمية. وبالتالي تتبع روسيا سياسة الحلول الوسط التي تحول دون فرض عقوبات اقتصادية حقيقية عليها”.

وعلى الرغم من تفاقم حرب العقوبات الاقتصادية بين روسيا والغرب منذ عام 2014، إلا أن موسكو تمكنت من الإبقاء على الشراكة طويلة الأجل في بعض القطاعات الحيوية، مثل الطاقة، خارج التوترات الجيوسياسية. ومن مؤشرات ذلك قرب انتهاء أعمال مد الخط البحري “السيل الشمالي-2” لنقل الغاز الروسي إلى ألمانيا من دون المرور بالأراضي الأوكرانية. من جهته، يعتبر الصحافي الأوكراني فيتالي بورتنيكوف أن الفصل بين قوات الجيش الأوكراني والمسلحين الموالين لروسيا لا يعني استئناف محادثات قادة دول “إطار نورماندي” تلقائياً، في ظل إصرار الكرملين على إدراج “معادلة شتاينماير” الموقّعة مطلع أكتوبر/تشرين الأول الماضي، ضمن القوانين الأوكرانية. ويقول بورتنيكوف، في اتصال مع “العربي الجديد” من العاصمة الأوكرانية: “لا يمكن الجزم بأنه ستُعقَد قمة نورماندي، إذ كان الفصل بين القوات أحد شروط الكرملين، ولكن يتردد الآن أن روسيا تطالب بإدراج معادلة شتاينماير ضمن القوانين الأوكرانية، وهو أمر مستحيل إتمامه سريعاً”.

وحول رؤيته لنتائج قمة “نورماندي” إذا عقدت في نهاية المطاف، يقول: “لا موقف واضحاً إلا للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، الذي يربط عقد القمة بنتائج ملموسة، وذلك على عكس نظيريه الفرنسي إيمانويل ماكرون، والأوكراني فولوديمير زيلينسكي، اللذين ليست لديهما رؤية محددة. فما معنى عقد القمة في حال انعدام الرغبة حتى في فهم منطق الطرف الآخر؟ كذلك يجب سؤال الكرملين عن أسباب استمرار القتال على خط التماس طوال هذه السنوات”. وفي معرض إجابته عن سؤال عن موقف القوميين الأوكرانيين من عملية فصل القوات، يتابع: “لا قوميين في أوكرانيا، بل هناك أشخاص يرفضون الاستسلام”. ويلخص مأزق الوضع الراهن، قائلاً: “لن يتحسن الوضع في دونباس إلا بعد انسحاب قوات الاحتلال الروسي ودفع تعويضات لأوكرانيا. لكن موسكو لن تقدم على ذلك بأي حال من الأحوال”.

من جهتها، تناولت صحيفة “إزفيستيا” الروسية، في مقال بعنوان “فصل القوات بتقدير جيد: دونباس قرّبت موعد إطار نورماندي”، أسباب تأخر عملية فصل القوات وآفاق انعقاد قمة “نورماندي”. وحمّل رئيس لجنة شؤون رابطة الدول المستقلة والتكامل الأوراسي والاتصالات مع المغتربين ليونيد كالاشنيكوف، القوميين الأوكرانيين المسؤولية عن تأخر كييف في فصل القوات، قائلاً، لـ”إزفيستيا”، إن “نشاط هذه المجموعة من الناس أخّر الفصل بالطبع. كان ذلك واضحاً وعلنياً، حين حدثت مشادة بين زيلينسكي وأشخاص مسلحين في بلدة زولوتويه. من وجهة نظري، على الرغم من كونه ممثلاً سابقاً، إلا أنه يريد فعلاً تهدئة هذه القوة. لكن يجب الإدراك أن وزير الداخلية أرسين أفاكوف يقف وراءها، ما يعني أن القوميين قد ينسفون الوضع مرة أخرى في أي لحظة”. مع ذلك، اعتبر كالاشنيكوف أن سابقة وفاء زيلينسكي وبوتين باتفاقاتهما في ما يتعلق بتبادل الأسرى، مطلع سبتمبر/أيلول الماضي، تبشر بانعقاد قمة “نورماندي” قبل نهاية العام الحالي، معرباً عن أمله أن يؤتي اللقاء ثماره.

العربي الجديد

إغلاق