جمعيات ومنظماتشؤون سياسية
الطرق المسدودة في بيلاروس
متى ستنتهي المواجهة؟. ها هي شوارع بيلاروس تستعر منذ شهر؛ والحقيقة أن عدد المتظاهرين في المدن البيلاروسية ينخفض بحدية والاشتباكات بين رجال الأمن و”النشطاء” آخذة في التراجع وأن عدد المعتقلين في تناقص، لا يجب أن يطمئن المراقبين.
المواجهات بين المتظاهرين والسلطات، وفق ما تظهر تجربة فرنسا وألمانيا وروسيا، يمكن أن تستمر لفترة طويلة، إذا لم يكن هناك طريق واضح وفعال للخروج من الأزمة.
في حال لم تتوصل أطراف النزاع إلى إيجاد طرق للخروج الحقيقي من المواجهة. وفي بيلاروس لا يلاحظ، حتى اليوم، شيء كهذا.
المسألة في الواقع أن مجرد الدفع بقوات مكافحة الشغب والحرس الوطني وحتى الجيش لمواجهة الاحتجاجات ليس كفيلا بالتهدئة.
يجب أن نعرف كيف نختار ما يستحق الاهتمام من بين شعارات الشارع المختلفة والمطالب الفوضوية والعبثية أحيانا وما الذي يمكن أن يعمل من أجل مستقبل الدولة والمجتمع، وما يمكن للسلطات أن تنفذه بسرعة وعلنا.
بدا أن مينسك قد أعربت عن خطوات حقيقية وهامة متوافقة مع مطالب الشارع، من بينها تعديل الدستور الذي سيليه انتخابات رئاسية وبرلمانية.
لكن هذه الخطوات لم تلق حتى الآن استحسانا ليس فقط بين “العبثيين”، الذين يهمهم إضرام النار أكثر، الذين يعتبرون أنه “كلما كان الوضع أسوأ كان أفضل”، وأيضا بين جزء معين من المتظاهرين الذين يطالبون بتغييرات إيجابية.
في الواقع، جميع مبادرات لوكاشينكو بعيدة كل البعد عن الوعي العادي وعن أحلام الشخص العادي. الخطوات الصحيحة المقترحة لا يجب أن تنفذ على الفور فحسب، بل ويجب أن تُستكمل ببعض الخطوات، التي يمكن أن تكون بسيطة ولكنها ناضجة وملموسة وتستطيع أن تلبي مطالب المحتجين. ولكن لا يوجد شيء كهذا حتى الآن، رغم أن السياسي المتمرس ذو الخبرة والفطن، كان عليه أن يتنبأ عشية الانتخابات بآفاق وتكنولوجيا التغيير.
يُحتمل أن تكون السلطات في بيلاروس محبطة أيضا لمواجهتها معارضة غير مألوفة، دون التطرق إلى تركيبة أفرادها. أود التأكيد على أن المعارضة لم “تقترح” أي شيء على لوكاشينكو. تصريحاتها ومطالبها و”برامجها” متعددة الاتجاهات وسخيفة أحيانا وغير واقعية، لدرجة أنه لا يوجد أمام السلطة ما ترد به عليها.
يلاحظ بوضوح في الأسبوعين الأخيرين أن هذه المعارضة تسير في طريق مسدود.
أولا، هي لم تتحد ولم تتوطد ولم تتعزز وإنما تنهار ومبادرة إنشاء حزب “فميستي” (معا) فارغة المضمون.
ثانيا، لدى هؤلاء “الثائرون” السياسيون مطالب متعددة الاتجاهات، التي تدمر وإن لم يكن كليا وإنما الأساس الموضوعي لأنشطتها.
ثالثًا، لم تتوقع المعارضة أن يكون دعم الغرب غير منسق ومتناقض إلى هذا الحد. الغرب يدين طبعا لوكاشينكو وأفعاله ويعد بالدعم، غير أن هذا الدعم لم يتعد الوعود.
وأخيرا، نظرا لعدم وجود عند المعارضة هياكل سياسية متشعبة موثوق بها، أي قواعد فعالة في المجتمع، فر قادتها إلى الخارج ويحاولون من هناك ممارسة ضغط قوي على السلطات، وهو أمر لا طائل منه.
يشير هذا إلى أنه حتى الغرب أيضا، وصل إلى طريق مسدود. وبالطبع، من الواضح أن نظام لوكاشينكو، المرتبط بروسيا أيضا، غير مناسب له. غير أنهم في بروكسل متخوفون أيضا من أن تؤدي الحملة النشطة ضد بيلاروس إلى تحويل الدولة الاتحادية إلى واقع قائم. ولوكاشينكو، الذي أجج احتجاجات المعارضة ضده، سوف ينسى بالكامل التوجهات المتعددة.
بالإضافة إلى ذلك، ليس سرا على أحد أن رد فعل أوروبا على أحداث بيلاروس ليس واحدا. وما يزعج برلين و بروكسل أكثر فأكثر هو أن الأعضاء الجدد في الاتحاد الأوروبي يظهرون نشاطا زائدا، بل وأكثر من ذلك، بدأوا في إملاء إرادتهم على بطاركة الاتحاد الأوروبي.
بعض خطوات وارسو وفيلنيوس وريغا تثير غضب برلين، وهذا بالطبع يعرقل امكانية اتخاذ أي خطوات مناوئة لبيلاروس من جانب أوروبا. حتى أن Welt كتبت عن هذا علنا.
بالإضافة إلى أن برلين وباريس وروما استخدموا حق النقض ضد العقوبات الأوروبية القاسية على لوكاشينكو والسلطات البيلاروسية.
في حين لا يوجد حتى الآن مخرج من هذا الطريق المسدود، ومن الواضح أن تهدئة “الشارع” وإعادة العملية السياسية إلى مسارها الطبيعي سيستغرق الكثير من الوقت. كم من الوقت؟ يمكن أن نعرف عند ظهور الضوء في نهاية النفق.
للإنصاف، نشير إلى أنه لم تستطع أن تتغلب على مثل هذه المعضلات منذ فترة طويلة حتى فرنسا والولايات المتحدة وألمانيا، إلخ.
المصدر: أوكرانيا برس