أخبار
زيلينسكي التقى بايدن وماكرون في باريس وحصل منهما على مساعدات
حصاد وافر يعود به الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي من فرنسا بعد مشاركته في احتفالات ذكرى إنزال الحلفاء في منطقة النورماندي… وأمضى زيلينسكي نهاراً حافلاً التقى خلاله الرئيس الأميركي جو بايدن في أحد فنادق العاصمة، وألقى خطاباً في الجمعية الوطنية الفرنسية، وزار برفقة وزير الدفاع الفرنسي سيباستيان لوكورنو مصنعاً للسلاح ينتج بشكل خاص منظومة المدفعية «قيصر» التي أرسلت فرنسا مجموعة منها إلى القوات الأوكرانية، ووقع اتفاقاً مع الشركة الفرنسية – الألمانية لإنشاء شركة تابعة في أوكرانيا نفسها لإنتاج الذخائر والأسلحة الأرضية. وعصراً، استقبله الرئيس إيمانويل ماكرون في قصر الإليزيه، ما شكل فرصة لإعلان باريس عن تقديم دعم عسكري إضافي إلى كييف.
بايدن يعتذر لزيلينسكي
كانت باكورة حصاد يوم الجمعة إعلان الرئيس الأميركي، خلال اجتماعه الصباحي مع زيلينسكي، تقديم مساعدة عسكرية جديدة لأوكرانيا بقيمة 225 مليون دولار، وطمأنة الأخير بأن «الولايات المتحدة الأميركية ستبقى دوماً إلى جانبكم». ورد عليه الرئيس الأوكراني بالإشادة بـ«الدعم الأميركي الرائع»، مضيفاً أن أوكرانيا «تعول على مساندتكم». وكان مسؤولون أميركيون يرافقون بايدن إلى فرنسا قد كشفوا تفاصيل حزمة المساعدات الأخيرة التي ستشمل ذخائر لنظام الصواريخ المدفعية عالية الحركة، أو ما يعرف اختصاراً بـ«HIMARS»، بالإضافة إلى أنظمة هاون ومجموعة من قذائف المدفعية.
بيد أن اللافت خلال اجتماع بايدن – زيلينسكي إصرار الأول على الاعتذار من الشعب الأوكراني بسبب توقف المساعدات الأميركية خلال عدة أشهر، وبسبب تجميد عدد من النواب الجمهوريين لمشروع القرار الخاص بتقديم مساعدة كبرى لأوكرانيا بقيمة 61 مليار دولار.
لذا، جاء إصرار بايدن: «ما زلنا معكم. تماماً. تماماً». والحال أن هذه التأكيدات لا تلزم سوى بايدن، والتخوف الغربي والأوروبي خصوصاً عنوانه احتمال عودة الرئيس السابق دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، وتجاهله للحرب الأوكرانية، بل ربما سعيه لصفقة مع الرئيس الروسي على حساب كييف.
وتعد مصادر عسكرية فرنسية أن أوكرانيا «لن تكون قادرة على الصمود على المدى الطويل من غير المساعدات الأميركية الضخمة، رغم التزام الاتحاد الأوروبي بالوقوف إلى جانبها». وتسعى كييف للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي من جهة، وإلى الحلف الأطلسي من جهة أخرى. لكن الانضمام الأخير سيأخذ وقتاً طويلاً، لذا تمت الاستعاضة عنه باتفاقات أمنية طويلة المدى «من عشر سنوات» أبرمتها كييف مع عدة عواصم مثل لندن وباريس وبرلين… وسعى زيلينسكي إلى الاستفادة من احتفالات النصر على ألمانيا النازية بتقديم بلاده مدافعةً عن الحرية التي تدفع من أجلها الكثير من التضحيات كما دفع الحلفاء وشعوبهم التضحيات خلال الحرب العالمية الثانية. وقال زيلينسكي الذي قوطع بالتصفيق وقوفاً عدة مرات: «هذه المعركة هي مفترق طرق. إنها لحظة يمكننا فيها الآن كتابة التاريخ بالطريقة التي نريدها. أو يمكننا أن نصبح ضحايا التاريخ… كما يناسب عدونا».
مفاجأة ماكرون
واستبق الرئيس ماكرون الاجتماع الرسمي مع زيلينسكي ليقطع خطوة إضافية بالغة الحساسية في الوقوف العسكري إلى جانب أوكرانيا. ففي حديث تلفزيوني أُجري معه ليل الجمعة من منطقة النورماندي، كشف الرئيس الفرنسي قراره تزويد القوات الجوية الأوكرانية بطائرات فرنسية الصنع من طراز «ميراج 2000 ــ 5»، الأمر الذي حل مفاجأة على الفرنسيين، وأثار عاصفة من التساؤلات والاحتجاجات.
وقال ماكرون ما حرفيته: «غداً سنطلق تعاوناً جديداً، ونعلن عن نقل طائرات مقاتلة من طراز ميراج 2000 – 5». وإذ لم يكشف عدد الطائرات من هذا الطراز التي ستسلم إلى أوكرانيا، وإن كانت هبة أو مدفوعة الثمن، فقد أكد في المقابل أن باريس ستوقع مع كييف اتفاقاً جديداً للتعاون عسكري، وأنها ستبدأ تدريب مجموعة من الطيارين الأوكرانيين على قيادتها مضيفاً: «تحتاج العملية عادة ما بين خمسة وستة أشهر. لذا بحلول نهاية العام سيكون هناك طيارون. وسيتم تدريب الطيارين في فرنسا».
يعود سبب المفاجأة لرفض باريس السابق النظر في تسليم كييف طائرات «ميراج» بحجة أن عددها قليل بعكس طائرة «إف -16» الأميركية الموجودة بكثرة لدى الدول الأوروبية الأعضاء في حلف «الناتو».
وسبق للدانمارك وهولندا وبلجيكا والنرويج أن قررت تزويد أوكرانيا بعدد غير محدد منها بتشجيع أميركي، بينما رفضت واشنطن حتى اليوم أن تسلم أوكرانيا مباشرة طائرات أميركية الصنع. وكتبت صحيفة «لو فيغارو» في عددها ليوم الجمعة أن بادرة ماكرون «تحمل شحنة رمزية قوية»، مشيرة إلى أن كييف ألحت في طلب الطائرات بحجة أن حماية أجواء أوكرانيا تعد، بالنسبة إليها، أولوية قصوى. بيد أن فرنسا «راوغت» بداية، وتذرعت بأن من «مصلحة كييف أن تكون طائراتها الحربية متجانسة لتجنب تصعيب عملية الصيانة والتدريب واستبدال القطع الهالكة».
ولأن باريس لا تملك ما يكفي للاستجابة لحاجات أوكرانيا، فقد أشار ماكرون إلى العمل على تشكيل «تحالف» مع عدد من البلدان الأخرى التي لم يذكرها بالاسم. وتجدر الإشارة إلى أن «شركة داسو للطيران» التي تصنع الميراج والرافال أوقفت إنتاج طائرة ميراج 2000ـ-5 منذ عام 2007، وأن آخر نماذج منها قدمت لليونان في العام المذكور فيما سلاح الجو الفرنسي لا يملك منها سوى 26 طائرة قيد الخدمة حالياً.
من هنا، ثمة معلومات تفيد، بحسب صحيفة «لو موند» الصادرة الجمعة، أن الخيار المتاح لباريس يقوم على إعطاء الأوكرانيين طائرات «ميراج» من بين تلك التي تملكها قطر . وكانت إندونيسيا عازمة على شراء 12 طائرة منها بقيمة 700 مليون دولار. إلا أنها تخلت عن الصفقة، ما يعني أن الطائرات القطرية يمكن أن تكون أحد حلول المشكلة. وتعد طائرة ميراج«2000 – 5» من أقدم الطائرات القتالية الموجودة لدى سلاح الجو الفرنسي، لكنها ما زالت مستخدمة حالياً بما في ذلك في مهمات لحماية الأجواء الشرقية للحلف الأطلسي.
وقال زيلينسكي للمشرعين الفرنسيين: «طيرانكم القتالي وطائراتكم المقاتلة الرائعة تحت قيادة الطيارين الأوكرانيين ستثبت أن أوروبا أقوى، أقوى من الشر الذي تجرأ على تهديدها».
زيلينسكي: ماكرون زعيم أوروبا
لم تشكل الطائرات الإعلان الوحيد لماكرون؛ إذ كشف أيضاً أن باريس ستقوم بتجهيز وتدريب لواء كامل من 4500 جندي أوكراني، ما يعد استجابة لطلب كييف التي تواجه، كما قال، «تحدياً كبيراً» في تدريب وتأهيل جنودها قبل إرسالهم إلى جبهات الحرب. وسبق لفرنسا أن دربت ما لا يقل عن 10 آلاف جندي على أراضيها وفي دول أوروبية أخرى مثل بولندا. وسبق لماكرون أن أثار جدلاً في فبراير (شباط) الماضي، بدعوته الغربيين للتفكير بإرسال قوات إلى أوكرانيا، تراجعت لاحقاً إلى مدربين.
وفي حديثه التلفزيوني ذكر أن «الرئيس الأوكراني ووزير دفاعه طلبا من جميع الحلفاء (…) قبل 48 ساعة في رسالة رسمية (…) قالا فيها: نحتاج منكم تدريبنا بشكل أسرع، وأن تقوموا بذلك على أرضنا». وعندما سئل مراراً هل سترسل فرنسا مدربين إلى أوكرانيا وعن التداعيات والمخاطر المرتبطة ببادرة من هذا النوع، رفض الإجابة مباشرة وأفاد، بدلاً من ذلك، بأن فرنسا وحلفاءها سيجتمعون ويتخذون القرار «جماعياً، وبوصفهم تحالفاً».
ورفض اعتبار أمراً كهذا «تصعيدياً» إزاء موسكو، مكرراً نظريته القائلة إنه «ينبغي ألا يكون هناك محرمات حول هذا الموضوع. في اللحظة التي تواجه فيها أوكرانيا تحدياً، علينا أن نقدم إجابة في موضوع دعم أوكرانيا التي تتعرض منذ أكثر من عامين لاعتداء روسي». لكن يفهم من كلام ماكرون ومن قوله إن «الأراضي الأوكرانية ذات سيادة، ولا يتعلق الأمر بالذهاب للتدريب في مناطق القتال، ولكن عندما تواجه أوكرانيا تحدياً يجب أن نرد كما فعلنا في كل مرة»، أنه عازم على إرسال مدربين عسكريين فرنسيين إلى أوكرانيا لكنه يفضل أن يحصل ذلك في إطار جماعي. وثمة دول مستعدة للمشاركة مثل بولندا ودول البلطيق، بيد أنها تطرح عدة تساؤلات تتناول طبيعة المهمة وشكل العملية وتوفير الحماية لها من الهجمات الجوية وموضوع التصعيد وردة فعل روسيا.
في خطابه أمام البرلمان، شكر زيلينسكي فرنسا مراراً باللغتين الأوكرانية والفرنسية، وعرّج على مواضيع الحرية والدفاع عن أوروبا وتضحيات الشعب الأوكراني… إلا أنه خص الرئيس ماكرون بكلمة متوجهاً إليه بشكل مباشر قائلاً: «من دونك إيمانويل، كانت أوروبا ستبقى دون زعيم».
وليس سراً أن ماكرون الذي غيّر مقاربته للحرب في أوكرانيا من النقيض إلى النقيض وتحول، وفق وصف الصحافة الفرنسية نفسها، «من حمامة إلى صقر»، سعى لفرض نفسه بوصفه أفضل صديق لأوكرانيا وألد خصوم بوتين. بيد أن قراراته الأخيرة دفعت المعارضة لتوجيه انتقادات لاذعة له. فقد اتهمه أمين عام الحزب الشيوعي فابيان روسيل بأنه «يقرر وحيداً التصعيد العسكري، وتخطي الخطوط الحمراء التي سبق له أن رسمها». واتهم زيلينسكي، بعد خطابه في البرلمان، بأنه يريد جر فرنسا إلى «حرب عالمية ثالثة نحن لا نريدها».
وقالت مانون أوبري، رئيسة لائحة حزب «فرنسا المتمردة»، إنه «من الأجدى أن تبدأ فرنسا بوضع حد للتمويل المباشر للحرب على أوكرانيا من خلال مشترياتها من الغاز المسال الروسي». أما جوردان بارديل، نظيرها رئيس لائحة «التجمع الوطني»، اليمين المتطرف، للانتخابات الأوروبية، فقد اتهم ماكرون بـ«استغلال الحرب في أوكرانيا» لأغراض انتخابية، لافتاً إلى أن ما يقوم به «لعبة خطيرة».
والاتهامات نفسها كررتها مارين لوبن، زعيمة الحزب المذكور. وكان من الطبيعي أن تثير إعلانات ماكرون حفيظة موسكو التي اتهمت ماكرون بتغذية التوتر في أوروبا. وقال ديمتر بيسكوف، الناطق باسم الكرملين إن ماكرون «يظهر دعماً مطلقاً للنظام الأوكراني، ويعلن أن الجمهورية الفرنسية جاهزة للمشاركة المباشرة في النزاع العسكري».